مملكة كندة - Kinda Kingdom
مملكة كندة
هي مملكة عربية قديمة قامت في وسط الجزيرة العربية ملوكها من قبيلة كندة، وانتزعت البحرين من المناذرة في العصر الجاهلي، يعود ذكرها إلى القرن الثاني ق.م على أقل تقدير ولعبت دورا مفصليا عبر تاريخ العرب القديم. خلافا للممالك العربية الجنوبية القديمة، كان ملوك كندة أقرب إلى المشايخ ويتمتعون بهيبة شخصية بين القبائل أكثر من كونهم حكومة وسلطة مستقرة، بمعنى أن نظام المملكة قام على اتحاد يجمع قبائل عديدة، في مستعمرات متباعدة عن بعضها تترأسها أسر من كندة.
كانوا وثنيين قبل الإسلام واكتشف عدد من النصوص المسندية بلغة سماها اللسانيون "شبه سبئية" في عاصمتهم الأولى بقرية الفاو. وليس من الواضح ما إذا كانوا اعتنقوا اليهودية، إلا أنه من المؤكد أن جزءًا منهم كان في جيش يوسف ذو نواس، وهناك دلائل أن الأقسام التي تواجدت شمال الجزيرة العربية كانوا مسيحيين، سقطت مملكتهم قبيل الإسلام بزمن غير بعيد وتفككت لعدة إمارات كان آخرها دومة الجندل وأميرها أكيدر بن عبد الملك.
التسمية:
كِندة اسم من الأسماء الغامضة المعنى، وللإخباريين عدة روايات بشأنه، أشهرها أنهم سميو بذلك لإن جدهم الأكبر ثور "كنّد نعمة أباه"، أي كفر بها، ولم يوضح الإخباريين ماهية هذه النعمة التي كفر بها ثور هذا ليطلق الاسم على سلالته، خاصة أن "آل ثور" المذكورين في نصوص المسند تتحدث عن قسم منهم وهم الملوك في قرية الفاو وليس القبيلة كلها، وقيل أن كِندة تعني أعلى قطعة في الجبل، ويؤيد ذلك وصف بلينيوس الأكبر بأنهم كانوا يسكنون في عين الجبل، في كل الأحوال، لا يمكن التأكد بصورة قطعية لأن الاسم قديم ولم تُكتشف مصادر أصلية بخط المسند توضح معناه.
التاريخ:
معرفة الباحثين ضئيلة عن قرية كاهل أو قرية الفاو وحسب التنقيبات الأثرية، فإن تاريخ القرية يعود إلى القرن الرابع ق.م، عرفت القرية باسم ''كاهل'' الذي كان أكبر آلهة كندة ومذحج، وعثر على أقدم نص مشير إليهم في مأرب في كتابة دونها ملك مملكة سبأ شاعر أوتر أواخر القرن الثاني ق.م، يشير فيها إلى معاركه لإخماد عدد من حركات التمرد شملت إحداها مكان أسماه "قرية ذات كاهل" وملكها ربيعة آل ثور، عثر على عدة نصوص من سكان القرية أنفسهم، منها نقش على قبر ملك يدعى معاوية بن ربيعة، وآخر لشخص يدعى عجل بن هفعم تخليدا لأخيه ربيبئيل. ولهذه النقوش أهمية لغوية للوقوف على مراحل تطور اللغة العربية، فهي إلى جانب نقش النمارة في جبل الدروز، تحوي خصائص لغوية مثيرة لاهتمام اللغويين والمهتمين بتاريخ هذه اللغة.
أقام آل ثور هؤلاء مملكة مدينة في قرية الفاو كانت جزءا من سياسة توسع سبئية لحماية القوافل الخارجة من اليمن نحو العراق وفارس وتشير نصوص المسند إلى كندة ومذحج بعبارة أأعراب سبأ، وغالبا ما تذكر القبيلتان معاً.
كان البدو السبئيين يعيشون في منازل ثابتة ولم يتنقلوا من منطقة لأخرى بحثاً عن الكلأ، والغالب أن صفة البداوة التصقت بهم بسبب مواقعهم الجافة والصحراوية وليس بسبب تبني نمط الحياة المعروف عن البدو في مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية، في المقابل، يقترح أليوت سبرنجر أن كندة وريثة مملكة معين، يقول سبرنجر أنهم أقاموا مستوطنات متباعدة عن بعضها عن البعض، وكانوا يخضعون القبائل المجاورة في كل مستوطنة أقاموها، سمات حكمهم وأماكن استيطانهم، هي الأساس الذي بنى عليه سبرنجر فرضية وراثتهم لمملكة معين.
جل معارف الباحثين عن كِندة نابع من كتب التراث العربية، ولعل مزيداً من التنقيبات الجدية سيساعد في فهم دورهم التاريخي بشكل أكثر وضوحا، إذ تعرض تاريخهم لتحزبات وميول الإخباريين كابن السائب الكلبي مثلًا، الذي أقحم قبيلته بنو كلب كثيراً وأظهرهم بمظهر صاحب الفضل في إتساع ملك كندة، وهو حال جل كتابات الإخباريين بعد الإسلام.
الملاحظ أن كتابات الإخباريين لم تتطرق لتفاصيل كثيرة عن تاريخ كندة، وأكثر ملوكهم تفصيلا هو الملك حجر بن عمرو الكندي المعروف بـ"آكل المرار". أي أن أقصى ماوصلت إليه ذاكرة الإخباريين لم تتجاوز القرن السادس الميلادي، وبعضهم ذكر عدد من الملوك قبله دون تفاصيل كثيرة الاكتشافات الحديثة أظهرت أنهم أقدم من ذلك، إلا أن ما يمكن استخلاصه عنهم من كتابات أهل الأخبار هو أن حكمهم كان متقطعاً، يعتمد على مدى قسوة ملوك كندة. فعادة قبائل البادية التمرد مع أول بادرة ضعف، ليطلبوا الدعم من الممالك المجاورة ولم يكونوا يجدون حرجاً في ذلك.
التحالف مع مملكة حِميَر:
رأس من البرونز عثر عليه في خرائب الفاو يعود للقرن الأول ق.م |
في أواخر القرن الثاني ق.م، استعرت الفوضى السياسية في مملكة سبأ، وظهرت حركات تمرد واسعة في أرجاء المملكة وتقلص نفوذها كثيراً حتى اقتصر على مأرب وصنعاء.
ظهر الملك شاعر أوتر، وهو زعيم قبيلة حاشد في تلك الأيام، وشن حملات واسعة لإخماد حركات التمرد في حضرموت وظفار وتهامة ونجران.
فور انتهائه من نجران، توجه قائد قواته المدعو أبو كرب أحرس نحو قرية الفاو لقتال ملك كندة ربيعة آل ثور، ويذكر النص السبئي أن مملكة سبأ غنمت أموالا وخيولاً كثيرة لم يذكر النص مصير ربيعة آل ثور، ولكن اكتشف نص في مأرب دونه ربيعة هذا ورد فيه شكره للإله إيل مقه أن أعانه في حروبه ومعاركه، وتضمن دعائه سؤالًا بحماية ملك سبأ، كان نصا مقتضبا للغاية ولم يذكر فيه أي تفاصيل.
شنت كندة هجوماً على إيلي شرح يحضب زعيم بكيل في تلك الفترة، ولم يوفقوا في هجومهم الذي كان بقرب منطقة تدعى ظلمة في محافظة إب حالياً. واكتشف نص لإيلي شرح هذا يشكر فيه الآلهة إيل مقه وتألب ريام على توفيقه في صد هجوم ملك كندي اسمه امرؤ القيس بن عوف وذلك في النصف الثاني من القرن الأول ق.م.
تحالف الكنديون مع أحد المجموعات المتمردة على سبأ، وكان هؤلاء هم الحميريين.
خلال هذه الفترة، تظهر الآثار المكتشفة أن الكنديين استبدلوا الجمال بالخيول في معاركهم، وأكثروا من غزو صنعاء في العام 275، شن الحميريون غارتهم القاضية على سبأ واستطاع شمر يهرعش من إسقاط المملكة السبئية نهائيا، ولكن بقيت مملكة حضرموت.
في البداية، قاد شمر حملة بنفسه ضد ملك حضرموت المدعو رب شمس، وانتهت المعركة بالاستيلاء على شبوة، لم يكد ينتهي من حضرموت حتى وصلته أخبار عن تمرد في صعدة من قبل من أسماهم الملك الحِميّري "دودان" خولان.
انشغل شمّر بخولان وسنحان ومن ثم بيشة، واستغل الحضارم انشغاله بالتمردات ليطردوا الحامية الحميرية من شبوة.
عثر على كتابتين تحكي معارك سقوط حضرموت بيد الحميريين، المعركة الأولى كانت بقيادة حِميّري يدعى سعد يتلف ذي جدن، والذي كان قاد جمعًا من أعراب كندة ومذحج لإخماد التمرد.
والمعركة الأخرى كانت بقيادة كندي اسمه ربيعة بن وائل، قاد ثلاثة آلاف وخمسمائة راكب على الجمال بالإضافة إلى ومائة وخمس وعشرين فارس، قتلت ثمان مائة وخمسين من المتمردين وغنمت ثلاثين فرسا وألف ومئتي بعير، وفق الرقم المسجل في النص، ولم يرد عن تمرد على حمير بعدها.
المعارك مع المناذرة:
في مرحلة ما من القرن الميلادي الرابع ولكنها بلا شك بعد العام 328، غزا المناذرة بقيادة إمرؤ القيس بن عمرو نجد قادمين من بادية العراق، وذكر امرؤ القيس في جملة القبائل التي أخضعها بنو أسد ونزار ومعد ومذحج حتى وصل إلى نجران التي أسماها مدينة شمر، ويُعتقد أن المقصود هو شمر يهرعش، يتضح من نقش النمارة أنه انتصر على مذحج، وبالفعل فقد ورد نص حميري يشير إلى توجيه شمّر يهرعش لقوات من كندة ومذحج لغزو القطيف التي وصفها "بأرض الفرس"، والإحساء وبني أسد واستطاعوا هزيمة المناذرة وردهم لأطراف العراق.
اكتشف نص آخر يعود للعام 428 ويشير إلى كندة وصدهم للمناذرة كذلك في موقع يقال له مأسل الجمح في الدوادمي، يحكي النص أن الملك الحِميّري أسعد الكامل، شن حملة على ذلك الموقع ومعه أقيال ومقتوى من حضرموت ومأرب وكندة، وذكر جمعًا أسماهم صغار الناس من قبيلتين اسمهما سود وعله، انتهت المعركة باستسلام المناذرة، وعلى هذه النتيجة انتهى النقش فلم يذكر أن أسعد الكامل أكمل مسيره نحو العراق، غير أن الطبري ذكر أنه استولى على الحيرة.
في عام 518، دون يوسف اسأر، المعروف بذو نواس الحميري، كتابة يؤرخ فيها لحملات شنها على ظفار يريم والمخا، وذُكرت كندة إلى جانب مذحج من ضمن الأعراب الذين قاتلوا المسيحيين في نجران، وقتلوا 11,000 مسيحي حسب الرقم الذي سجله ذو نواس.
في العام 535، ورد نص يشير إلى رجلين من كندة اسمهما بشر بن حصن وأبو الجبر بن عمرو، شنا حملة على مكان اسمه تربة قرب الطائف، ودونت كتابة أخرى بخط المسند تذكر عدد القتلى والغنائم والأطفال الذين أخذوا مقابل الولاء.
واكتشف نص يعود للعام 542 عن شخص يدعى يزيد بن كبشة الكندي، قاتل أبرهة ومعه جمع من بكيل ومراد إلى جانب قبائل لم يعد لها ذكر اليوم، وورد في ذات النص أن أبرهة تصدى لسيد كندة وتوصل لهدنة عقب وصول أخبار عن تصدع هو الثالث وقبل الأخير أصاب سد مأرب، معظم هذه النقوش مدوّنة من حميريين، ولم يكن كاتبوها من ملوك كندة.
القرن السادس:
كانت هذه الفترة كانت آخر سنين مملكة الكنديين، حتى إن البيزنطيين ذكروا أن الغساسنة ورثوا جزءاً من هيمننهم على القبائل العربية.
ويظهر أن علاقة كندة بالغساسنة قد توثقت بشكل إيجابي خلال هذه الحقبة. ورد اسم كندة في كتابة بيزنطية متأخرة أيام الإمبراطور جستنيان الأول يشير إليهم ومعد، وأن عليهم ملكاً يدعى "كايسوس" (قيس).
واختلف حول هوية قيس هذا، فرجح بعض المستشرقين أنه هو الشاعر الجاهلي المعروف إمرؤ القيس ولكن هذا غير مسنود بدليل، ولكن المؤكد أنه كان إما من أبناء أو أقارب الحارث بن عمرو الكندي أو "آريثاس" (يونانية: Αρέθας) كما ذكره البيزنطيون، والحارث هذا كان الجد الأول للشاعر الجاهلي.
كان قيس مقرباً من البيزنطيين، ووصل إلى مرتبة عالية هي مرتبة (لاتينية:Vir gloriosus) (وباليونانية:ἐνδοξότατος إندوكشاتتوس) وهي أعلى طبقة أرستقراطية في مجلس الشيوخ الروماني وتعني "الرجل المجيد".
قسمت أجزاء من فلسطين بين كندة وغسان وبحسب المصادر البيزنطية، فإن انتقال قيس لفلسطين جعله يعين أخويه ملوكا على ما سمي "بالعربية الصحراوية" هما يزيد وعمرو وذلك قرابة العام 536 ميلادية، غير أن هؤلاء أقدموا على غزو ولاية سورية الرومانية بقوة مكونة من ألف وخمس مئة مقاتل، وتم التوصل لاتفاق بين زعيمي كندة ودوق الولاية يسمح لهم بالاستفادة من مياه الفرات، ولا يبدو أن غزوتهم تلك أثرت على علاقة قيس ببيزنطة، على الرغم من أن هؤلاء العرب كانوا يسمون أنفسهم ملوكاً في ذلك الوقت، فإن البيزنطيين كان يسمونهم " فيلرخوش " (يونانية: φύλαρχος) وتعني شيخ أو عامل منطقة بدليل أن الإمبراطور جستنيان الأول أرسل مبعوثاً إلى شميفع أشوع، حاكم اليمن المسيحي وقتها، يطلب منه تعيين قيس المذكور آنفا ملكا على قبائل معد.
كان الحارث بن عمرو الكندي حليفًا لبيزنطة من عام 502 حتى سنة 528 واستطاع أن ينتزع الحيرة من ملوكها الأصليين. وتزوج المنذر بن امرئ القيس من هند ابنة الحارث، وهي والدة عمرو بن المنذر المعروف في كتب التراث العربية باسم عمرو بن هند، وبلقب ''مُضَرِّط الحجارة''، هند بنت الحارث هذه هي صاحبة دير هند الكبرى، وتركت الملكة نقشا رجح التوجه الذي ذهب إليه عدد كبير من الكتاب المسيحيين الشاميين أن بني كندة كانوا مسيحيين، أو القسم الذي كان موجوداً في شمال شبه الجزيرة العربية على الأقل .
وقد دون النقش بعربية صريحة شابها شيء من اللغة السريانية، ولكن فيها ما يؤيد كتابات أهل الأخبار أن رجال كندة كانوا من نقل الخط النبطي المتأخر إلى مكة جاء في النص ما يلي:
"بنت هذه البيعة هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر الملكة بنت الأملاك وأم الملك عمرو بن المنذر أمة المسيح وأم عبده وبنت عبيده في ملك ملك الأملاك خسرو أنوشروان في زمن مار أفراييم الأسقف فالإله الذي بنيت له هذا الدير يغفر خطيئتها ويترحم عليها وعلى ولدها ويقبل بها ويقومها على إقامة الحق ويكون معها ومع ولدها الدهر الداهر"
انتهز المنذر بن إمرؤ القيس تردي العلاقة بين والد زوجته والبيزنطيين ليقتله غدراً، ويوصل رسالة إلى القبائل العربية أن المناذرة قد استعادوا ملك الحيرة. خشي البيزنطة أن يعتبر العرب ذلك نصرا فارسياً عليهم على الرغم أن الكندي قطع علاقاته بهم نفس العام الذي أُغتيل فيه.
ويُعتقد أن الفرس تخلوا عن المناذرة وركزوا على علاقتهم بالحارث، مما دفع المناذرة لاغتياله.
ذكر المؤرخ البيزنطي يوانس مالالاس (يونانية:Ιωάννης Μαλάλας)
أن الإمبراطور جستنيان أرسل قوة من فلسطين وفينيقيا لقتال "سراسين الفرس" (يقصد المناذرة) انتقاماً لمقتل الحارث بن عمرو الكندي وذلك شتاء 528 ميلادية.
كان الغساسنة من ضمن القوة، إذ ذكر مشاركة شيخ عربي يدعى "جفونس" (يقصد جفنة وهو اسم غساني مشهور)، ولكن الجيش وقادته كانوا بيزنطيين، وكان الهدف من إيصال رسالة إلى العرب أن بيزنطة لن تتساهل في اغتيال حلفائها فرد الفرس بتحريض المناذرة على غزو ونهب أنطاكية.
الملاحظ في الكتابات الكلاسيكية هي عدم ذكرهم لقرية الفاو وكذا حال الكتابات الإسلامية، وهي دلالة أن القرية كانت قد هُجرت وتحولت إلى أطلال قبل القرن السادس الميلادي بزمن.
قبائل كندة:
من الناحية التاريخية، تنقسم كندة لثلاث أقسام رئيسية هم بنو معاوية الأكرمين، والسكون والسكاسك، نصوص المسند لم تشر إلى أيهم بهذه الأسماء، ووصفت الملوك منهم بآل ثور.
النصوص المتوفرة حالياً لا تكفي لتكوين صورة متكاملة عن أسر كندة، فكتابات الإخباريين هي المصدر الوحيد لمعرفة أقسامها وقبائلها بكثير من التفصيل، قبل الإسلام، كان جزء من كندة قد دخل في حلف تنوخ، انصهر كثير من كندة مع الشعوب في الأمصار عقب الفتوحات الإسلامية، خصوصًا في بلاد الشام وشمال أفريقيا، وفي العصر الحديث يتواجدون في اليمن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والعراق وعربستان.
الفن والعمارة:
لوحة جدارية لمبنى |
الحديث عن العمارة والفن يعني الحديث عن قرية الفاو فلا يُعرف شي عن مناطق استقرارهم الأخرى مثل غمر ذي كندة.
( غمر ذي كندة هو موقع في الحجاز يبعد عن مكة المكرمة مسافة يومين وفق الإخباريين، وذكره المبعوث البيزنطي نونوسوس (Nonnosus) كذلك ويعتقد أنه قرن المنازل)
أول من قام بزيارة القرية كان المستشرق الإنجليزي جون فيلبي والذي سمع عن بدوي في السليل عن خرائب وأطلال في الفاو عام 1918، لم يتسن لفيلبي زيارتها إلى عام 1948، حيث قام ومجموعة من الأمريكيين العاملين بشركة أرامكو بزيارة الموقع ودونوا ماوجدوه ونشروه في مجلات علمية باللغة الفرنسية، في عام 1952 عاد فيلبي من جديد ليكمل مابدأه وقام بنسخ النقوش ودراستها، وذكر في تعليقاته أن وسط الجزيرة العربية كان آخر مكان توقع أن يجد فيه ماوصف بالتقاليد البنائية، ملمحين لوجود أطلال لمنازل ثابتة في منطقة عُرف عن قاطنيها سُكن الخيام.
الطراز المعماري والثقافة بشكل عام كانت متأثرة كثيرا بممالك اليمن القديم، غالب البيوت كان مكونًا من طابقين ووجدت رسومات جدارية تشير لأشكالها. أما سوق المدينة فكان مسوراً ويصل عدد الطوابق المحيطة به إلى سبعة طوابق، وكان قصر الملك يقع بجانب معبد القرية. لم يتمكن جون فيلبي من الاستمرار في إسكتشافاته بسبب تردي علاقته مع الأسرة السعودية الحاكمة.
الفنون المكتشفة تظهر تأثرا هيلينسيا واضحاً قد تكون من صنع سكان القرية أو بضائع اشتراها التجار، بدلالة أن كثيرًا من التماثيل يظهر رموزاً ميثولوجية يونانية ولم يرد نص بالمسند يشير إلى آلهة اليونان مع وجود أصنامهم، وهو مايرجح أنها وجدت طريقها عبر التجار لا أكثر ولم تعني شيئا معنوياً بالنسبة لسكان القرية.
النص السبئي الذي دونه الملك شاعر أوتر عن القرية، ألمح إلى وجود يوناني فيها، ووجدت معظم هذه التماثيل في مقر المعبد وهو يعطي فكرة أن ملوك القرية لم يجدوا حرجاً في تعبد التجار الأجانب أو حتى العبيد، لآلهة أخرى.
السقوط:
نشبت الخلافات بين أبناء حجر بن الحارث، والد الشاعر امرؤ القيس الذي قُتل مسموماً، وهناك تكهنات أن الغساسنة كانوا وراء ذلك بسبب خوفهم أن "حندج" (اسم الشاعر الحقيقي في بعض الروايات) بلغ مبلغاً كبيراً عند الإمبراطور على حسابهم، وبقي جزء من كندة لا ينتمي إلى البيت الملكي القديم، كان أشهرهم أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل.
كان الغزو الفارسي على بيزنطة عام 620 مكلفاَ فلم تتعافي الإمبراطورية البيزنطية منه سريعاً حتى بعد استعادتها للشام من الفرس الذين سيطروا عليها عقب الحرب الساسانية-البيزنطية 602-628، ودخل الفرس بدورهم حرباً أهلية ولم تكد تتعافى القوتان حتى ظهرت قوة جديدة لم يخطر على بال أي منهم أنها قد تشكل تهديداً عليهم.
أما العرب المرتبطين بهم فمنهم من قاتل لأجل دينه مثل أكيدر بن عبد الملك الكندي وربيعة بن الجودي الغساني ومن معهم من بنو كلب في معركة دومة الجندل، وكانت تلك المعركة نهاية ممالك كندة وغسان ولخم، وبلا شك فإن كندة أطولهم عمراً، وأقدمهم وأكبرهم مساحة، فمنذ القرن الرابع الميلادي على الأقل إلى نهايات القرن السادس وكندة مسيطرة على نجد وأجزاء من الحجاز والمواضع الشرقية الجنوبية من شبه الجزيرة العربية، وجاء في دائرة المعارف الإسلامية أن كندة بعد الإسلام لم تتغير طباعها وبقوا يلعبون دوراً مؤثرا وبارزا عبر التاريخ الإسلامي بشكل جلي وواضح.
ابداع يالامبراطور
ردحذفشكرا لمرورك الرائع
حذف