مملكة سبأ
عرش الملكة بلقيس وقيل "معبد برعان" ويقع في مدينة مأرب |
مملكة سبأ...
مملكة سبأ هي مملكة عربية قديمة قامت في الألفية
الثانية قبل الميلاد في جنوب جزيرة العرب حيث تقع
اليمن في أيامنا هذه واستمرت حتى قيام الدولة
الحميرية. بدأت المملكة بالازدهار حوالي القرن الثامن
ق.م. اشتهرت سبأ بغناها وقد تاجرت بالعطور والدرر
والبخور واللبان، وقد ذكر انتاجها للعطور في عدة، مصادر مثل العهد القديم والإنياذة.
انقسم العرب قبل الإسلام إلى قسمين:-
- البدو :-
وعاش البدو في نظام الوحدة الصغيرة التي يربط بينها
الدم والعصبية وهي القبيلة.
- الحضر:-
استطاع الحضر أن يكونوا ممالك لها ملوك ونظم سياسية
تركزت مناطق الحضر في الجزيرة العربية قبل الإسلام
في ثلاث مناطق مهمة هي: اليمن حيث قامت ممالك
سبأ ومعين وحمير، شمال الجزيرة العربية حيث قامت
ممالك الأنباط وتدمر والحيرة وغسان؛ الحجاز.
ويرى كثير من الباحثين في تاريخ اليمن القديم أن مملكة
سبأ التي ظهرت جنوب غربي شبه جزيرة العرب، هي
أقدم الممالك التي عرفها تاريخ المنطقة.
ومن المرجح أن استقرارهم هناك بدأ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وكان العرب يضربون الأمثال في أشعارهم بمملكة سبأ
وسدها .
النظام السياسي:-
اتخذ السبئيون في أول أمرهم صرواح عاصمة لهم، ثم
مالبثوا أن نقلوا عاصمتهم إلى مأرب، وقد أصبحت مركزا ً تجاريا ً مهما.
واعتمدت حضارة السبئيين إلى حد كبير على تجارة القوافل البرية، التي كانت تنقل البخور واللبان والعطور من حضرموت شرقا إلى مأرب غربا، ومن هناك كانت القوافل تسير شمالاً إلى المناطق العربية القريبة من البحر الأبيض المتوسط، ثم كانت تنقل هذه السلع إلى البلدان التي تحيط بذلك البحر. وكان هؤلاء الناس يقبلون على الحصول على تلك العطور
والبخور واللبان، مما جعل بعض المؤرخين اليونانيين
يكتبون عن غنى أهل سبأ ورواج تجارتهم.
وقد كانت هناك صلات قوية أقامتها سبأ بين شبه الجزيرة العربية ومراكز الشرق الأوسط الثقافية الأخرى، مثل مصر وبلاد ما بين النهرين وفارس.
النظام الاجتماعي:-
عرف السبئيون الزراعة، ولكن لا يعرف بالضبط متى
بدأوا يمارسون ذلك النشاط، ولكن يبدو أن المنطقة
كانت أكثر أمطارا مما هي عليه الآن، فقام السبئيون
باستغلال تلك المياه في الزراعة، وساعدتهم الزراعة على أن يحيوا حياة مستقرة، أدت إلى أن يخطوا خطوات
كبيرة نحو التقدم والمدنية.
تطور نظام الحكم لدى
السبئيين، فبعد أن كانوا قبيلة عرفت النظام القبلي تدرجت في الأمر، وأصبح حكامها يدعون بالمكربين، ويرى الدارسون أن لفظ مكرب معناه مقرب ويقصد به مقدم القربان إلى الله.
ومن المعروف أن لغة حمير كانت تنطق القاف كافا، وكان هؤلاء المكربون يجمعون
بين السلطة السياسية والدينية.
أما إلههم الذي كانوا
يعبدونه، فقد كان يدعى ألمقة، وكانوا يتقربون إليه بالنذر والبخور، وبنوا له المعابد.
الحياة الإقتصادية:-
تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان، وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحر
المتوسط، وقد تميزت اليمن بإنتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزء الأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليه إلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبر طريق التجارة المذكور ، وكان يمتد هذا الطريق بصفة
رئيسية من ميناء قنا في مصب وادي ميفعة على بحر العرب إلى غزة في فلسطين على البحر المتوسط، مرورا
بمدينة شبوة ومأرب، ثم يمر بوادي الجوف، ومنه إلى نجران حيث يتفرع إلى فرعين: طريق يمر عبر قرية الفاو في وادي الدواسر، ومنه إلى هجر في منطقة الخليج، ثم إلى جنوب وادي الرافدين، وطريق رئيسي يمتد من نجران نحو الشمال، مرورا بيثرب، ثم ددان في شمال الحجاز، ومنه إلى البتراء، ويتجه الطريق الرئيسي من البتراء نحو ميناء غزة، بينما يتجه فرع آخر إلى
دمشق وإلى مدن الساحل الفينيقي .
ولا شك أن استئناس الجمل الذي يرجح أنه تم في القرون الأخيرة من الألف الثاني قبل الميلاد قد لعب دورا بارزا في ازدهار التجارة بقدرته على حمل الأثقال لمسافات طويلة، وتتوافق تواريخ استئناس الجمل مع ما ورد في التوراة من إشارات إلى زيارة ملكة سبأ للنبي سليمان عليه السلام في القرن العاشر قبل الميلاد، وهي الزيارة التي تفيد وجود علاقات تجارية بين بلاد الشام
وبلاد اليمن، إذ تذكر الأخبار المرتبطة بتلك الزيارة أن ملكة سبأ أحضرت معها كميات كبيرة من الطيوب منها
اللبان.
وتعتبر أخبار هذه الزيارة كما وردت في التوراة أقدم الأخبار التي وصلتنا عن سبأ وحضارتها، وقصة هذه الزيارة مشهورة وقد طبقت شهرتها الآفاق وملأت
أسماع الدنيا، وشغلت الناس عشرات القرون، وذكرتها الكتب السماوية، وتواتر ذكرها في الأخبار والروايات المتعددة، وخاصة موروث أهل اليمن، فمملكة سبأ عندهم
رمز تاريخي لحضارة يمنية قديمة راقية، وقد كرمت مملكة سبأ وقصة زيارتها للنبي سليمان بالذكر في القرآن الكريم .
قال تعالى: (وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم).
وإذ كانت التجارة و موردها المالي الوفير قد أسهم بقسط عظيم في صياغة الحياة العامة للناس وازدهارها في
مراكز الحضارة اليمنية القديمة ، وخاصة في قلب تلك الحضارة والتي كانت عاصمتها مأرب، فإن سد مأرب هو أهم شاهد على أن اليمن شهدت حضارة زراعية فائقة، وتشير بعض الدراسات الأثرية الجادة التي أجريت ميدانياً على اثار السد إلى أن تأسيسه تاريخيا ربما يعود إلى قبل مطلع الألف الأول قبل الميلاد على الأقل ، وهو أمر يتوافق مع ما سبق ذكره من أخبار تتحدث عن حضارة يمنية راقية منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد.
وقد ذكرت النقوش مملكة سبأ التي حكمت في القرن العاشر قبل الميلاد وبعدها ذكرت عدداً كبيراً من المكربين والملوك الذين تولوا الحكم في دولة سبأ، والفرق بين الملك و المكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحداً او قبيلة واحدة ، بينما المكرب يحكم لقب للمجمع والموحد لعدة شعوب او قبائل.
ووجود المكربين في تاريخ اليمن القديم يشهد بجدارة على الجهود المبكرة لتوحيد أهل اليمن تحت سلطة سياسية واحدة، وقد حاول أحد العلماء ترتيبهم زمنيا خلال الألف الأول قبل الميلاد فبلغوا ما يقارب الخمسين، ابتداء من القرن الثامن إلى القرن الأول قبل الميلاد.
سبأ في الكتب السماوية:-
اشتهرت سبأ بين الأمم القديمة، وقد جاء ذكرها في التوراة، كما جاء في بعض النقوش التي خلفها الملك سرجون ملك آشور (720-705 ق.م) أن مملكة سبأ قدمت له هدية من الذهب واللآلئ والبخور والأعشاب.
ويرى بعض الباحثين أنه قد تكون تلك الأشياء من قبيل الهدية، وليست من قبيل الإتاوة أو الضرائب التي فرضها الملك الآشوري على حكام سبأ.
وذكر القرآن الكريم قصة سبأ في أكثر من موضع،
فحكى ما كانوا فيه من النعيم، إذ كانوا في أخصب البلاد وأطيبها وذكر سد مأرب الذي أقامته الملكة بلقيس، ولكنهم بطروا، وكفروا بالنعمة وطغوا وكانوا
مجوسا يعبدون الشمس فأرسل الله لهم الرسل فلم
يهتدوا، فأرسل عليهم سيل العرم، فهدم السد ّ وشردهم، جزاء بما كانوا يعملون. يقول ا تعالى: ﴿ لقد كان لسبأ
في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من زرق
ربكم وأشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين
ذواتي أكُل خمط وأثل ٍ وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ﴾ .
وكذلك وردت في القرآن قصتهم وقصة ملكتهم بلقيس مع سليمان عليه السلام في سورة النمل.
الأثار:-
وافقت الآثار التي وجدت في سبأ، ما ذكره القرآن
الكريم من أن السبئيين ضربوا بسهم وافر في التقدم
الزراعي وفي هندسة الري، كما كانوا متقدمين في
الهندسة المعمارية.
ونجح هؤلاء القوم في بناء سد مأرب في مملكتهم، لحفظ مياه الأمطار التي كانت تجري في أراضيهم دون الإفادة منها، فأصبحوا يستغلونها في الري بفضل السد والقنوات التي ساعدتهم على توزيع تلك المياه. ويعتقد بأن هذا السد أقيم في نحو عام 650ق.م. وببناء السد أخذ ملوك الدولة
ينظمون توزيع الأراضي والري وتطوير الزراعة، وكان
من بين ما يزرعونه النخيل والحبوب والعنب، وكان
لهذه الزراعة فضل في توفير الغذاء لأصحاب القوافل
وركابها، وأصبحوا يجدون ما يكفيهم من غذاء، وما
يحتاجونه من مأوى، خصوصاً وقد كانت الحجارة
والأخشاب متوفرة في تلك المملكة.
وكانت هذه المملكة قادرة على تزويد القوافل بما تحتاج إليه وهي تقطع رحلات طويلة كانت تصل إلى نحو ١,٥٠٠كم من جنوبي الجزيرة العربية إلى شمالها الغربي وصولاً إلى
البتراء، ومنها إلى البحر المتوسط ومصر.
وقد خلفت مملكة سبأ حضارة، لها مكانتها من حيث البنيان، سواء في المعابد ذات الحجارة المصقولة "المنحوتة"، أو الهندسة المعمارية أو الزراعية.
ودلت هذه الآثار على مدى ما وصلت إليه الحضارة العربية
من تطور في جنوب شبه جزيرة العرب.
تعليقات
إرسال تعليق